الأربعاء، 7 مارس 2012

تقرير اللقاء الادبي مع الدكتور عالي القرشي



تقرير  اللقاء الادبي مع الدكتور عالي القرشي

بعنوان شعر المرأة في سوق عكاظ

·       انه في يوم الأربعاء الموافق 23/3/1433هـ استضافت اللجنة الثقافية في إدارة النشاط الطلابي   بالمجمع الأكاديمي بالسلام سعادة الدكتور عالي سرحان  القرشي أستاذ النقد بكلية الآداب بجامعة الطائف ، عبر الشبكة التلفزيونية في المجمع الأكاديمي بالسلام  من الساعة العاشرة صباحا الى الساعة الثانية عشر على مسرح مبنى 5 حيث  اكتظ المسرح بالحضور من منسوبات المجمع الأكاديمي بالسلام  وكان حضور الطالبات لافتا.  حيث   رحبت رئيسة اللجنة الثقافية الدكتورة أسماء ابو بكر بالضيف الكريم ، ثم قدمت مديرة إدارة النشاط الطلابي  أ. جمال عبد الله السعدي   الدكتور عالى القرشي مفتتحة التقديم بمقتطفات قيلت عنه من قبل  العديد من الأسماء المعروفة في عالم الأدب والثقافة السعودية والعربية:
·       أقوال عنه
*الدكتور الشاعر فوزي خضر: (يخرج نبت أخضر... وتسقيه عروق الأرض ويغذيه شعاع الشمس... ينمو... يقوى.... يشتد... عبر بلاد يمتد... يصبح طولا في الطول... وعرضا في العرض... ويمد ذراعيه غصونا... يحمل في كفيه ثمارا طازجة.... زادا في زمن الجوع....وريا في زمن العطش... يصبح في الحقل عطاء ...يصبح خيرا ونماء... يصبح أفياء... يصبح ..... عالي القرشي).
*الدكتور عاطف بهجات:  أشاد  فيها بجهود الدكتور عالي في البحث العلمي وحرصه دوما على استقصاء المعلومة من مظانها الصحيحة وصبره وجلده في ذلك مؤكدا ملاحظاته ذلك من خلال مشاركته إياه في تأليف كتاب عن (سوق عكاظ). وذكر أن عالي يتعامل مع اللغة باعتبارها كائنا حيا الأمر الذي أثرى طروحاته وكتاباته الإبداعية المختلفة.

*الأستاذة القاصة سارة الأزوري رئيسة لجنة السرد باللجنة النسائية بالنادي موجزة بكلمة معبرة واصفة إياه ببياض الروح حتى تجاه من أساءوا له.
*. نعم لعالي تاريخ معروف في الذاكرة ويكفي هذا الرجل أنه بلا أعداء بل هو محبوب من الجميع
*مدير العلاقات العامة والإعلام بجامعة الطائف تحدث عن مواقفه النبيلة حتى مع من يختلفون معه وكيف أنه شخص مألوف قليل الكلام بليغ العبارة والإشارة متطرقا لبدء معرفته به، مشيرا لحرصه على طلابه وتفانيه في خدمة الفعل الثقافي منوها بدوره الكبير والهام في تقديم عدد من الأسماء للساحة الثقافية والأدبية لأول مرة من خلال منبر (منتدى عكاظ) الذي كان يقيمه بجمعية الثقافة والفنون فرع الطائف لأكثر من أربع سنوات.
ومما جاء في كلمة الطلحي: (... يتهلل ويتبسط لرؤية كل وجه... حتى رسم ببشاشته وحسن أخلاقه صداقات متنوعة أقربها إليه أصدقاء الثقافة وهم كثر وأتمنى أن أكون أحدهم. أما الأصدقاء المزعومون فهم غالبا أصدقاء محايدون، غالبا ما يتمنون له حظا سعيد
ضيفنا الدكتور عالى القرشي 
 من مواليد محافظة الطائف شوال عام /1371هـ
حصل على الماجستير من جامعة أم القرى عام /1402هـ ،على أطروحة بعنوان ( المبالغة في البلاغة العربية : تاريخها وصورها وحصل على الدكتوراه من الجامعة نفسها عام /1410هـ ،حول أطروحة بعنوان (الصورة الشعرية في شعر بشر بن أبي خازم الأسدي )
و الدكتور عالي بن سرحان القرشي أديب وشاعر وكاتب، ساهم في تطوير الأعمال الإبداعية عبر مزيد من الدراسات النقدية التي اتسمت بالحيادية والموضوعية ،و من أشهر كتاب النقد وأحد أبرز النقاد السعوديين الذين ساهموا في صياغة مفردة الخطاب النقدي، وهو بالإضافة لكونه ناقداً مارس عملية النقد العلمي الذي يستند إلى حصيلة معرفية جعلته متصلا بمختلف أشكال النتاج الأدبي السعودي
قدم القرشي عدداً من الدراسات والكتب، بينها كتابه «حكي اللغة ونص الكتابة»، كما صدر له «تحوّلات النقد وحركية النصّ» عن نادي حائل الأدبي بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي، وله تجربة شعرية راسخة في النقد كما  له العديد من العضويات والمشاركات على النحو التالي :

0
رئيس هيئة التحرير لمجلة جامعة الطائف ( الآداب والتربية )، صدر منها خمسة أعداد ، والسادس على وشك الصدور .

عضو المجلس العلمي بالجامعة ابتداء من العام الجامعي 1430/1431 •
وكيل كلية المجتمع ابتداء من 3/9/1430هـ - 2009م
0
عضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي منذ صدور قرار التشكيل الجديد حتى 10/1/1430هـ،ثم عاد لعضوية مجلس الإدارة في ضوء التشكيل الجديد للنادي منذ 1/1/1431هـ .
0
رئيس اللجنة الثقافية بجمعية الثقافة والفنون بفرع الجمعية بالطائف ، والمشرف على منتدى عكاظ بها في مابين : 1421ـ 1427هـ
0عضو هيئة التحرير لدورية (وج ) ، الصادرة عن نادي الطائف
.
عضو هيئة التحرير لدورية (سوق عكاظ ) التي كانت تصدر عن نادي الطائف .
.
المشرف على لجنة إبداع بنادي الطائف .
.
رئيس تحرير دورية ( مجاز ) الصادرة عن نادي الطائف منذ عام 1431هـ ، صدر منها حتى الآن ثلاثة أعداد .
.
محرر مادة ( الحركة الثقافية في منطقة مكة المكرمة ) ضمن الموسوعة العامة للمملكة التي تشرف عليها مكتبة الملك عبد العزيز العامة .
.
عضو اللجنة العلمية لقاموس الأدب والأدباء بالمملكة ، إشراف دارة الملك عبد العزيز ؛ حيث أعد فيه ما يزيد على خمسة وعشرين مادة ، وراجع عشرين مادة .
.
عضو لجنة الريادة بمشروع إصدارات المجلة العربية .
0
رئيس اللجنة الثقافية لسوق عكاظ الذي تنظمه محافظة الطائف بإشراف أمارة منطقة مكة المكرمة في الموسم 1428هـ ، والمسئول التنفيذي للجنة الثقافية في موسم 1429هـ .وعضو لجنة التقويم في موسمي 1430هـ ،1431هـ ، ورئيس لجنة البرنامج السياحي لضيوف السوق لعام 1431هـ .
0
شارك في عدد من الملتقيات الأدبية والثقافية داخل المملكة وخارجها .
0
له زاوية أسبوعية في جريدة الرياض ، في ثقافة الخميس ، بعنوان ( الكتابة والحكاية  (









ثم ابتدأ الدكتور عالي القرشي بتوجيه الشكر والتقدير لجامعة  طيبة لاستضافته  ولعمادة شؤون الطلاب للخدمات الطلابية ووكالة العمادة وإدارة النشاط الطلابي على ما بذلوه من جهود ومتابعة وتنسيق ليكون بيننا في هذا اللقاء  وحسن الاستقبال وكرم الضيافة.
وتناول في كلمته  تعريف كلمة عكاظ  ثم تحدث عن سوق عكاظ ودوره عبر التاريخ وكيف كان ملتقى القبائل العربية للحوار ومشاركة الهم الإنساني والبيع والشراء والبعد عن الحروب والخصومة في أيام عكاظ  وحضور المرأة في شعرها في هذا السوق  وتنصيب النابغة الذبياني
لتحكيم  الشعر ، ثم كيف بدأ التفكير في إحياء سوق عكاظ بجهود عدد من المخلصين والمفكرين وبدعم ورعاية الجهات الرسمية  كي يرى النور من جديد على مستوى لائق فكريا وثقافيا
وبعد ذلك دار الحوار مع الضيف الكريم حيث طرحت مديرة النشاط الطلابي مجموعة من الأسئلة التي تدور حول  الأدب والنقد في العصر الحديث، ومن واقع تجارب وخبرات الضيف الكريم كما شارك الحضور بطرح العديد من الأسئلة التي أجاب عليها الدكتور عالي القرشي باستفاضة  مما كان له الدور الأبرز في إثراء اللقاء بالمعلومات والإجابات الوافية والتي تفتح أمام الحاضرات أفاقا أوسع من الإلمام بهذا العالم الجميل.


وضمن فعاليات هذا اللقاء كان الموعد مع إعلان الفائزات بمسابقة القصيدة على شرف الضيف والتي أعلن عنها في وقت سابق .

     وقد فازت بالمركز الأول الطالبة
*شروق عبد الرحمن النمر الطالبة بالسنة  الثانية قسم اللغة العربية
وفازت بالمركز الثاني الطالبة
* نجود فهد الرشيدي الطالبة بالسنة الرابعة قسم اللغة العربية


وفي ختام اللقاء كان السحب على جائزة الحضور والتي أعدتها وكالة عمادة شؤون الطلاب  لتشجيع الطالبات على حضور هذه الفعاليات الثقافية التي تثري خبراتهن و ذائقتهن الأدبية  والفكرية.
حيث اختار الضيف رقم 111 لتفوز به إحدى الحاضرات وكانت الجائزة عبارة عن جهاز لابتوب 




الهدايا التي فازت بها الطالبات بالمسابقة وسحب جاءزة الحضور


وهنا انتهى اللقاء بشكر سعادة الدكتور عالي القرشي من قبل رئيسة اللجنة الدكتورة أسماء أبو بكر ومديرة إدارة النشاط الطلابي على أن تتكرر اللقاءات في سنوات قادمة .
علما بأن الدكتور كان قد احضر عددا من مؤلفاته واصدارات الجامعة  من الدوريات و قدمت باسمه كهدية للمكتبة المركزية بالمجمع .




محاضرة  الدكتور عالي القرشي







شعر المرأة في سوق عكاظ
محاضرة بجامعة طيبة يوم الأربعاء 23/3/1433 هـ
الموافق 15 فبراير 2012م
                                                      د / عالي سرحان القرشي
                                                            جامعة الطائف
            
·         سوق عكاظ والوعي الحضاري عند العرب
ما وصلنا من تراث الجاهليين نم عن وعي حضاري ، وتنظيمات مدنية ،تجاوز ما وسم به هذا العصر من جاهلية ، وشتات ، وتمزق ، وحروب ،فهذا النص الشعري الجاهلي المحكم ، الذي يشتغل اختلافه وخصوصيته على تحويلات يسيرة ، يجعل لكل نص مكان مميزا يدل هذا على ملكة نقدية تشتغل خلف الإنتاج والتلقي ، وإن كانت هذه الملكة النقدية قد انقطعت ، ولم يبق منها إلا شذرات لا تطمح أن تكون في مستوى ما كان .وتلك التنظيمات التجارية ، والمعاهدات ، وأنظمة الجوار والحلف كلها تشير إلى أفق يجاوز الصراعات ، ويحتضن الهم الإنساني عبر تفكير وتنظيم حضاري ،أما الأسواق فلم تقف أهدافها على التسوق ،والبيع والشراء ؛ بل جاوزت إلى تجمعات حضارية فكرية ، وفيما رشح عن أكبر أسواقها من أخبار نجد مصداق ذلك ،تنظيم لا يسمح بالحرب أيام السوق ، لا يسمح بحمل السلاح
تحويل الحروب والخصومة إلى حوار
 حين نراجع مادة " عكظ" في المتن اللغوي العربي نجد : " عكظ دابته يعكظها عكظا" : حبسها ، وتعكظ القوم إذا تحبسوا لينظروا في أمورهم ، ومنه سميت عكاظٌ.
وعَكَظَ الشيء يعكظه : عركه وعكظ خصمه باللَّدد والحُجَج يعكظه عكظا: عركه وقهره. وعكظه عن حاجته ونكظه إذا صرفه عنها. وتعاكظ القوم : تعاركوا وتفاخروا".
لعلكم تلحظون أن هذا الذي سرى عن عكاظ في تفسير متنها ،ينبع مما كانت تنهض به في حبس الطاقات والأفكار من أجل جدل الرأي الجماعي ؛ الذي يدحر الفرقة والخصومة ،ولا يتم ذلك إلا من خلال فتح مسرح عكاظ للتفاخر ، وتحويل خصومة السلاح ، إلى حوار وإبداع بالكلمة . ولذلك جاء في لسان العرب " وعكاظ : سوق للعرب كانوا يتعاكظون فيها"  فحملت عكاظ الاسم من فعلها الذي كانت تنجزه " قال الليث : سميت عكاظ لأن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضاً بالمفاخرة، أي يدعك" وإذا كانت المداعكة تترامى إلى الملاينة والتذليل وإزالة النتوء والخشونة كما نلحظ من هذه المعاني : دعك الثوب باللبس دعكا : ألان خشنته ، ودعك الخصم دعكاً لينه وذللـه. ورجل مدعك : شديد الخصومة. وتداعك الرجلان في الحرب أي تحرسا .. وتداعك القوم : اشتدت الخصومة بينهم"  فإن عكاظ بهذا الاغتراف من هذه المعاني، كانت المسرح الرمزي، والحوار الفكري، الذي يذيب الخصومات، وينهي التعارك والمداعكة بعد أن يكون قد فجرها في حوار لغوي، وتفاخر لفظي، واحتكام إلى ذوي الرأي والرشد. قال أبو عبيد : " عكاظ : صحراء مستوية لا علم فيها ولا جبل إلا ما كان من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية، وبها من دماء الإبل كالأرحاء العظام"  ، ثم قال : " وعكاظ مشتق من قولك : عكظت الرجل عكظا إذا قهرته بحجتك، لأنهم كانوا يتعاكظون بالفخر وكانت بعكاظ وقائع مرة بعد مرة"  .. فهل كانت هذه الدماء التي أشار إليها أبو عبيد البكري افتداء للدماء التي كانت تسيح بين العرب؟ 
            لئن لم تفصح الشواهد عن ذلك صراحة، فإن ذلك يلتقي مع الرسالة التي حملها عكاظ، حين جاءت العرب تتنافر فيها بالقول، وتتفاخر بالكلام، ويبذل الخطباء والشعراء الغاية في ذلك، حتى لا يبقون في القوس منزع، ولا في النفوس ظمأ، فكان هذا الصنيع المتجسد في عكاظ اشتغالاً على ترميز المناهضة، والمفاخرة في الحوارالقولي، والمباهاة بذلك، وارتقاء على حرب السيوف، والنبال، وفعل الإغارات، فكان عكاظ الفداء لهذه النفوس من غوائل حروبها، وصلافة أيامها.
وكان حديث المرزوقي في الحماسة عن عكاظ يستجلي هذا الشأن الذي كان لعكاظ، والغايات التي يؤديها فيقول : " عكاظ : وادٍ للعرب فيه سوق لهم يجتمع فيها طوائف الناس من جميع الأحياء، فيتعارفون فيها،
ويتعلقون بالأخبار بعد التذاكر بها، والتسنم لها، وبينهم المواعدات والمقايضات والأحن والترات، والمنافرات والمناقضات، فكل فرقة تتجمل للأخرى، وتود أن تسمع فيها ما ليس عندها من حسن وقبيح ومحمود ومذموم، إلى غير ذلك من الأنباء السائرة، والأوابد العائرة، التي يتهادى بها، ويستطرف وقوعها، ويتبلغ باستماعها وأدائها".

·         الوعي بالرمز :
وعت العرب الرمزية التي يجتمعون عليها في عكاظ ، فاجتمعوا فيها ، يؤمنون مقامهم وأيام سوقهم ، فيضعون السلاح ، ويجنبون السوق كل غدر ،لذلك ارتقى في نظرهم ، وأصبح مهيبا ، ولذلك نجد المرأة تلتقط هذه الرمزية وتشنع على الذين غدروا بزوجها في عكاظ ، حين تقول الشاعرة الحماسية :
متى تردوا عكاظ توافقوها ... بأسماع مجادعها قصار
أجيران ابن مية خبروني ... أعين لابن مية أم ضمار
تجلل خزيها عوف بن كعب ... فليس لخلفها منه اعتذار
فإنكم وما تخـــفون منـــها ..              كذات الشيب ليس لها خمــــار نعم! فقد كان عكاظ مجمعا من المجامع التي يخوف بها الغادرون، وكان من الشأن الذي بلغته عكاظ في فضح الغادرين، بعد أن أصبح ذلك عرفا لدى العرب، أن أصبحت لدى الشعراء ذات دلالة يستثمرونها في التنقص من الغادرين، فهذا أحد الشعراء الهذليين، ويدعى أبو المورق، يقول في بني ليث من كنانة، وقد سجلوا غدرة في أحد أصحابه :
   إذا نزلت بنو ليث عكاظا     رأيت على رؤوسهم الغرابا
بل أصبح عدم مثول راية الغدر في مثل تلك المجامع، علامة فخر واعتزاز، على النحو الذي جاء في افتخار الحادرة :
   فسمي ويحك! هل سمعت بغدرة   رفع اللواء بها لنا في مجمع
            ويشعرنا هذا بالتجمع الكبير الذي كان يتم في عكاظ، مما جعل منه ملتقى يحرص فيه نازلوه على السمعة الحسنة، ويؤثرون ألا يصدر عنهم شيء يعلق في خبر سيء، يسير على ألسنة الناس، وبين منازلهم وربوعهم في الجزيرة العربية، ومن يدري لعلهم كانوا يتوقعون جريان هذه الأخبار في الثقافة فيما بعد، وهو الأمر الذي حدث لها فعلاً، فكانوا يتوقون السوء، ويتقون الغدرات.

·         مكانة الشعر في عكاظ
بلغ الشعر العربي عند العرب مكانة عالية ، ودل تجويده الفني ، وما به من مقومات جمالية على شأن هذا الإبداع عند العرب ؛ فلم يكن هذا الشعر كامنا في ما يقدمه العربي بين يدي حاجته ، فكان مبرزا في تجمعاتهم ، به يستنزل الكريم ،ويدعى للنزال ، وتستل السخائم ؛كان للشاعر عندهم مكانا ، جعل الشعر خطابهم في ما يعرض لهم من الأمور ذات الشأن ، في الحروب ، وفي الصلح ، وفي الفداء ، وكان تعبيرا عن شخوصهم الإنسانية وهي تعاقر الحياة ، بكاء ، وعشقا ، وفراقأ ، وحسرة ، وفخرا ، وتميزا في القول والفعل ،وحضرت عكاظ في الشعر بكونها الرمز الذي تجتمع عليه وفيه الحرب ،وأصبحت كثيرا من مرموزات الشاعر متضمخة بعبق عكاظ ، ومستمدة وجودها وحيويتها من عكاظ ، فخمرة أبي ذؤيب ، كان مرورها بعكاظ مخلصا لها له ، ومعتقا إياها ، لتكون ألذ من ثغر محبوبته :

وأقسم ما إن بالة لطمية
ولا الراح راح الشام جاء سبيئة
عُقار كماء النئ ليست بخمطة
توصل بالركبان حينا وتؤلف الـ
فما برحت في الناس حتى تبينت
فطاف بها أبناء آل معتب
فلما رأوا أن أحكمتهم ولم يكن
أتوها بربح حاولته فأصبحت

يفوح بباب الفارسيين بابها
لها غاية تهدي الكرام عقابها
ولا خلة يكوي الشروب شهابها
جوار و يغشيها الأمان ربابها
ثقيف بزيزاء الأشياء قبابها
وعز عليهم بيعها واغتصابها
يحل لهم إكراهها أو غلابها
تكفت قد حلت وساغ شرابها

·         حضور المرأة الشاعرة في عكاظ والمنافسة على اللقب في الجاهلية
تساوقت القيمة الرمزية لعكاظ ، مع المكانة الشعرية ، فمكانة الشاعر العالية في قومه تتعالى أيضا في عكاظ ، وتشتغل على التنافس والتمايز ؛ فكان عكاظ كما يكون حوارا بين مفاخرات العرب ونزاعهم ؛ يكون أيضا حوارا بين إبداعاتهم ، وما يصنعونه من رموز في شعرهم ؛ ولذك نصبوا النابغة الذبياني من أبرز شعرائهم ، يميز شعرهم ، ويحكم لشاعر دون آخر ، وكان الشاعر الظافر برأي النابغة ، وتفضيله كأنه هو الشاعر الحاصل على لقب شاعر عكاظ ، وما دمن بصدد شعر المرأة نجد الخنساء الشاعرة الجاهلية كانت حريصة على هذا اللقب ، وتنافس الشعراء ، وتنافح لتكسبه
            وتحدثنا المصادر الأدبية عن تحكيم نابغة بني ذبيان، الشاعر المعروف بين الشعراء، فيأتي الخبر عن الأغاني على النحو التالي:
" أن نابغة بني ذبيان كان تضرب له قبة من أَدَم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره، وأنشدته الخنساء قولها :
 قذى بعينيك أم بالعين عُوَّار
حتى انتهت إلى قولها :
وإن صخراً لتأتم الهداة به
وإن صخراً لمولانا وسيدنا

كأنه علم في رأسه نار
وإن صخراً إذا نشتو لنحار
فقال : لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك قلت : إنك أشعر الناس! ( وأشار إلى أنها أشعر النساء ، فلم ترض قوله وأضافت ما يشير إلى أنها أشعر الرجال ) فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها. قال : حيث تقول ماذا؟ قال : حيت أقول:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
ولدنا بني العنقاء وابني محرق

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال : إنك شاعر لولا أنك قللت عدد جفانك، وفخرت بمن وَلدَت ولم تفخر بمن وَلدك. وفي رواية أخرى : فقال له : إنك قلت " الجفنات" فقللت العدد ولو قلت " الجفان" لكان أكثر. وقلت " يلمعن في الضحى" ولو قلت " يبرقن بالدجى" لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقا. وقلت " يقطرن من نجدة دما" فدللت على قلة القتل ولو قلت " يجرين" لكان أكثر لانصباب الدم. وفخرت بمن وَلدت ولم تفخر بمن ولَدك. فقام حسان منكسراً منقطعاً".
·         مشهد عكاظ يكسب ذكر المرأة فخرا
الشأن الذي بلغته عكاظ من الحضور في الذهن العربي ، جعل الشاعر العربي يدلف بخصوصيته في العشق إلى سوق عكاظ ، ليكون عكاظ شاهدا على تودده لها ، وهيامه بها إليها هذا البعد والعلو الذي يأتي من هذا الملتقى الحيوي الذي يحتشد فيه الألوف على حد قول أبي ذؤيب: ([i])
نؤمل أن تلاقي أم وهب
إذا بُني القباب على عكاظ
تواعدنا الربيق لننزلنه
فسوف تقول إذ هي لم تجدني
ابن معصوم العثماني (1052ــ 1119)
بنفسي من أطمعت نفسي بنيلها     وما عندها للمستميح لماظ
كأن عيونا أغريت بجمالها     لشدة ما ترنو إليه جحاظ
برعت على أهل الغرام بوصفها   كأني قس والغرام عكاظ
معاطفها نشوى وما ذقت خمرة   وأجفانها وسنى وهن يقاظ
     
ومما قال أبو المعالي الطالوي ( 950ــ 1014):
صيرت بدر النظم بعدك غاربا
لما امتطيت من البلاغة غاربا
وعلوت صهوته بثاقب فكرة
نظمت لك الزهر النجوم كواكبا
وسمت إلى الجوزاء فاستلبت حلى
ذاك النظام وقلدته ترائبا
ومشت فأزرت بالقضيب رشاقة
والعين لحظا والغزالة حاجبا
ياحسنها عربية لو ساجلت سحبان
راح لذيل عي ساحبا
أو طارحت قس الفصاحة لفظها
ما قام يوما في عكاظ خاطبا

بمخلفة إذا اجتمعت ثقيف
وقام البيع واجتمع الألوف
ولم تشعر إذن أني خليف
أخان العهد أم أثم الحليف


·         عكاظ في عصرنا الحاضر ، ومشاركة المرأة في قيامه
يبدو أن عكاظ المهيب ، الرمز ، الذي ينهي خصومات العرب وإحنهم ، إصر على الاستيقاظ والحضور في العصر الحديث ، ومن عجب أن تكون للمرأة يد طولى في أخراج الافتتاح ، وفعاليات أول سوق لعكاظ في العصر الحديث ، فالدكتورة هند باغفار ، وهالة الشاعر ، وشريكاتهما في شركة ( سعودي للا حتفالات ) ، أخذن على عاتقهن هذا الحضور ليس تنفيذا ، وإنما أيضا تخطيطا ، وتنفيذ فعاليات ، فنصبن للنساء خيمة الخنساء يشاركن فيها شعرا ، وإبداعات منوعة ،واستحضرت باغفار في ملحمتها التي عرضت في الافتتاح الخنساء ، وحضور الشعر العربي في عكاظ ، وحرصن كذلك على أن يستحضرن في هذا السوق المعلقات ، وهن مكتوبات بنقوش ذهبية ، في رقاع منشورة على حائط السوق في شكل كان لافتا ، وفي هذا السوق أيضا لم تقنع المرأة بالحضور النسائي ، بل كان هناك من أصررن على الحضور في قاعة النابغة التي كانت مخصصة للفعاليات الثقافية الرجالية ، فحضرن في بعض الأمسيات الشعرية  ، وقدمت الدكتورة فاطمة إلياس في الدورة الثانية للسوق ضمن ندوة عن التجربة الشعرية الجديدة ، ورقة عن شعر المرأة بالمملكة ، وفي الدورات الأخيرة من السوق أصبح حضور المرأة ومشاركتها، إلى جانب الرجل ضمن لجنة مشتركة ، وفعاليات يستمع لها الجميع ، وحضر به تجارب شعرية من بلدان عربية مختلفة


·         رمزية عكاظ في نص المرأة الشعري
لم يغب عكاظ بحضوره المهيب في العصر الحديث ، وبعمقه التاريخي ، وبرمزه في الذاكرة العربية عن المرأة ، فهاهي الشاعرة ثريا العريض تستحضر هذا الرمز حوارا مع الشعراء ، ومساءلة للشعر والذات في نص نحاول أن نلتقي حول إشعاع هذا الرمز وطاقته في شعرها ، تقول الشاعرة

 بسوق  عكاظ
وقفتُ  على باب أسواقهم
قلتُ أسألهم عن خلود  التفوق!
قلت أقرأ أوراقهم
أعلّق نبضي إن شئت  بين  الذي  علّقوا !
أو أتابع  صولات فرسانهم
و أهازيج عشاقهم
فلي  مثلهم مأرب  في  الكلام
و بي مثلهم هاتف ٌ مؤرقُ !
أحاورهم  علّني  أجد  السر  إن نطقوا :
قلتُ:  بين شظايا الحروف أنقب
لابد بعد تعاليمكم  أرى لي اسما !
"قلتُ: هذا زمان المدن !
رد من نطقوا  رافضين
هذا زمان عبور  القفار فرادى
فرادى
و ليس  زمان  التشدق !
و ليس لمن يعبر  القفر اسمٌ
فمن سيكون  المنادي ؟
و من سيكون  المنادى؟ "
قلتُ: حتى متى سيطول انفراد السفر ؟
و متى - يا عكاظ - ستأتي  القصائد و المنتظر ؟
قال من قرأوا في الغيوم احتشاد  الغناء:
يبقى المدى  في المدى .. و يطول
ما كان -قبلُ- رحيلا  من الصيفِ
  أو رحلة  في الشتاء
تضيع  الفواصل  بين  الفصول !
 لا الدمع نوحا و لا  الغيث  ماء ! "
فعدت أقاوم مد الذهول :
وأين غوى الشعراء ؟
و أين هوى الشعراء؟
و أين مدى الشعراء؟
وأيان موسمكم للوصول ؟








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق